عندما سافر الطاغية في الثالث من مايو الجاري ذكرت وسائل إعلامه أن الزيارة ستستغرق يومين و الغرض منها الالتقاء بالدكتور أبي أحمد رئيس وزراء أثيوبيا لمناقشة وباء الكورونا وأسراب الجراد التي تجتاح الدولتين بالاضافة لبعض القضايا التي تهم البلدين وعندما عاد لأسمرا في الخامس من مايو نفس وسائل الاعلام لم تأتي على ذكر الغرض الذي كانت قد ذكرته عند ذهابه ، حيث قالت أنه قد أجرى مباحثات مكثفة مع رئيس الوزراء الاثيوبي حول التعاون الثنائي والتطورات الإقليمية التي تهم البلدين.
وبالتأكيد البون شاسع بين الغرض الذي ذهب لانجازه وبين ما تم انجازه حسب وسائل إعلام النظام الارتري ، وإن كان اختلاف الخبرين ليس أمراً مهما إلا أن إيرادهما هنا جاء للتدليل أن الزيارة التي قام بها الطاغية كانت لموضوع آخر مهم أكثر من الكورونا والجراد ، موضوع يؤرق الطاغية أفورقي و لا يمكن حله بوسائل التواصل الحديثة ، فهو يتطلب الجلوس أمام حليفه رئيس الوزراء الأثيوبي أبي أحمد ، و من الطبيعي أن يكون الموضوع الذي يؤرق أسياس له علاقه بمن لجأ له وهو الدكتور أبي أحمد ، لهذا تكبد مشاق السفر في ظل ظروف صحية عامة توقفت بسببها كل حركة السفر بين بلدان العالم!!!
فما هو يا ترى الموضوع الذي يؤرق الطاغية أسياس وفي نفس الوقت له علاقة برئيس وزراء أثيوبيا الدكتور أبي أحمد ؟
في الحقيقة الموضوع لا يحتاج لكبير اجتهاد لمعرفته ، فالأوضاع المتأزمة بين نظام الطاغية والتقراي منذ أكثر من عشرين عاما والتي تصاعدت حدتها منذ توقيع السلام المزعوم بين أسياس وأبي أحمد قبل قرابة العامين ، وقال وقتها أسياس وهو فرحاً قولته المشهورة “قيم أوفر” يقصد بها التقراي ، فمنذ تلك القيم أوفر لم يهدأ للتقراي بالاً ، فلم يتركوا سبيلا للتصعيد وإلا سلكوه والظاهر أنهم أخيرا قد أفلحوا في زعزعة استقرار أسياس وجعلوه ينسى قولته المشهورة ، أما في الجانب الآخر ، بتتبع بسيط للأحداث في أثيوبيا منذ وصول أبي أحمد لسدة الحكم نجد أن التأزيم هو سيد الموقف بينه وبين (الوياني) وهنا المجال لن يتسع للتفصيل في ذلك ، لهذا سنركز في الذي يحدث بين أسياس والتقراي وهو ما يهمنا بدرجة كبيرة ، وقد يقول قائل صحيح أن التقراي عامل مؤرق لكلا الحليفين ، إلا أنه توجد قضايا أخرى تهم الطرفين كقضية الميناء والبحرية الأثيوبية المزمع إنشاءها ..الخ، لهذا ربما إحداها كانت محل البحث بين الحليفين في زيارة أسياس الأخيرة ، نعم هذا رأي وجيه لكن الأرجحية ستكون لصالح مشكلة التصعيد مع التقراي نتيجة المعلومات والمؤشرات الكثيرة التي تتوفر في هذا الوقت عن تأزيم التقراي للأوضاع مع كلا الحليفين ، وهذا ما سنوضحه ، لكن قبل ذلك هناك نقطة مهمة يجب توضيحها فالمعركة بين أسياس والتقراي هي معركة إذلال أكثر من أي شيء آخر فالقيم أوفر كانت كافية ليحس معها أسياس وزمرته أنهم أنتصروا في معركتهم مع التقراي وكانت كافية أيضاً أن يحس التقراي بالهزيمة ، لأن في معركة الإذلال الكسب المعنوي هو الأهم ويجب أن لا يفوتنا هنا أن التقراي يمارسون الأذلال على الحليفين معاً فالضغط على أسياس هو في نفس الوقت ضغط على أبي أحمد الذي حالف أسياس و وقع معه أتفاقات كانت محل رفض من قبل التقراي والعكس أيضا صحيح ، ونقطة أخرى يجب الانتباه لها كذلك أن هناك ظروف موضوعية تمنع من تحول المعركة بينهما لحرب عسكرية مفتوحة كما حدث في حرب عام 1998ـ 2000م ، وهذا ما سيتضح عند حديثنا عن السيناريوهات التي أمام أسياس لهذا رجحنا الاذلال فيها عن الكسب المادي والسياسي ، فالمعركة بين دولة وأقليم في دولة ذات سيادة .
في الحقيقة الوضع متأزم جداً بين أسياس و التقراي ، فالتقراي حشدوا جزء كبير من قواتهم في المناطق الحدودية ، بل أن تسريبات النظام تقول أنهم دخلوا الأراضي الأرترية في أكثر من محور ، فقد ذكر أحد قادة الأجهزة الأمنية للنظام في اجتماع عام في مدينة تسني أن التقراي دخلوا منطقة بوري والأرجح أنهم لم يدخلوا المدينة إنما موجودون في المنطقة في تحدي واضح للنظام الارتري ، و من مؤشرات صحة هذا المعلومات أن النظام حشد الجماهير في اجتماعات عامة في منطقتي القاش وبركة وطلب منهم الأستعداد لصد التقراي ، ومن مؤشرات صحتها أيضا حملة التجنيد الواسعة التي قام بها النظام في مارس الماضي والتي لم تشهد ارتريا مثيلا لها منذ عام 1998م وإذا أضفنا إلى ذلك ضم قوات الاحتياط (عقور سراويت) المكونة من الطاعنين في السن من أصحاب خبرة معارك التحرير إلى الجيش النظامي ندرك المأزق الذي يعيشه نظام الطاغية في ظل عدم وجود جيش أرتري حقيقي و تدني معنويات الموجود منه ، وفي ظل ضائقة أقتصادية تعيشها ارتريا.
في ظل هذا الوضع المتأزم هناك سيناريوهان أمام أسياس سنعرضهما ونبين مخاطر كل منهما .
السيناريو الأول : وهو الذي يطبقه أسياس حتى الآن الإنحناء للعاصفة وعدم مجاراة التقراي في التصعيد ، وهو قادر حتى الآن على تطبيقه لأن المعلومات شحيحة ولم تصل للشعب وللجيش الارتري وهو قادر للتحكم فيها إلى حين ، ومصيبته ستحدث عندما تكون المعلومات ملك مشاع فوقتها بلا شك ستتأزم أوضاعه الداخلية لهذا وضع الانحناء للعاصفة سوف لن يستمر طويلا ولن يفده في شيء وسيظهره في صورة المهزوم وهذا هو الكابوس الذي يخشاه فالصراع صراع أحقاد ، كما أن الأمر في هذا السيناريو مرهون بتوقف التقراي عند هذا الحد وعدم التصعيد أكثر من هذا وعدم التقدم أكثر في الاراضي الارترية .
السيناريو الثاني : أن يدخل في معركة عسكرية مع التقراي ليستعيد كرامته ويعيدهم من حيث أتوا ، وهذا الأمر محفوف بالكثير من العقبات و المحاذير ، فعلى المستوى الداخلي سيخيفه وضع جيشه المهتريء والوضع الأقتصادي الضعيف لارتريا ، وعلى المستوى الخارجي توازنات الوضع الأثيوبي الدقيقة والحساسة وبالأخص وضع حليفه أبي أحمد وهو الذي في سبيل انجاحه وقع معه أتفاقية سلام لم تحقق أي شيء للنظام ولإرتريا ورغم هذا تجاوز لانجاحه عن انسحاب أثيوبيا من بادمي التي كانت أساس الحرب وتأزيم الوضع ، وفي حالة اضطرار أسياس لهذا السيناريو هناك أحتمال كبير إن بدأت الحرب أن لا تتوقف عند مرحلة التأديب وتحرير الاراضي الارترية فيمكن تصل لمرحلة دخول الجيش الارتري لبعض المناطق الحدودية الأثيوبية ، فوقتها ماذا سيكون موقف أبي أحمد والشعب الأثيوبي؟
وهذا السيناريو هو ما يؤرق الحليفين وهو ما أجبر أسياس على السفر إلى أثيوبيا للقاء أبي أحمد حتى يبحثا عن حل إن لم يضمن لهما النصر ، فعلى الأقل يخرجهما من مأزقهما بأقل الخسائر.
والمرجح بشكل كبير لأنه أفضل السيناريوهات أنهما أتفقا أن يتعامل أسياس بسياسة النفس الطويل ويستلم أبي أحمد راية التصعيد ضد التقراي ، لأن التصعيد من جانبه أولا سيخفف الضغط على أسياس وثانيا هو أهون التصعيدين فتصعيد أسياس قد يدخلهما في مأزق تكون نتيجته وبالا عليهما ، لهذا باشر أبي أحمد على تنفيذ ما أتفقا عليه بمجرد مغادرة أسياس لإثيوبيا ، وما يرجح صحة ترجيحنا أن القضية التي حدث فيها التصعيد رغم أنها قضية حقيقية ومهمة إلا أنه كانت هناك فترة ثلاثة أشهر أمام أبي أحمد ليبحث عن حل لها بدلا عن الاصطدام المباشر مع التقراي الذي قد يأتي بنتائج وخيمة عليه وعلى أثيوبيا وهو كذلك لم يعرف عنه طيلة الفترة التي حكم فيها أثيوبيا الاصطدام المباشر بخصومه بهذه الطريقة فهذه المرة قد تصرف على قاعدة مجبرا أخاك لا بطل.
ختاما قد يتساءل القاريء ما هو موقفنا كجبهة من كل ذلك؟ السؤال وجيه ويستحق الإجابة عليه بوضوح ، نحن ضد أي حرب تشن على وطننا من أي جهة كانت ومن وطننا على الآخرين ، وهذه الحرب حرب أحقاد و تصفية حسابات بين حلفاء الأمس والشعب الارتري ونحن منه لا ناقة لنا فيها ولا جمل ، لكن مع الأسف ستخاض بنا وبمقدرات بلادنا ، فمن سيموت فيها ويشرد جراءها أبناء شعبنا وستبدد فيها مقدرات بلادنا ، لهذا نرفضها جملة وتفصيلا .
محرر موقع أدال