بسم الله الرحمن الرحيم
تَبَٰرَكَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ ٱلۡمُلۡكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ (1) ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡمَوۡتَ وَٱلۡحَيَوٰةَ لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗاۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡغَفُورُ (2) صدق الله العظيم
انتقل الى الرفيق الاعلى اليوم ٢٨ رمضان ١٤٤٤ الموافق ١٩ ابريل ٢٠٢٣م المغفور له باذن الله احد رموز الكبرياء الشيخ الوقور والنقابي العمالي الضليع العم محمد ادريس ناصح في مدينة القاهرة التي استقر بها اخيرا قبل عدة سنوات بعد عمر مليئ بالعطاء والكد منافحا في حياته العملية وتربية الابناء النجباء ومناضلا ثوريا لا يعرف الوهن سبيلا اليه، فهو احد رجالات الرعيل الاول من المدنين الذين ساهموا بالتخطيط والدعم المادي والمعنوي في تأسيس الثورة الارترية ورائدتها جبهة التحرير الارترية وهو مازل صبيا لا يتجاوز عمره السابعة عشر . كان الراحل المقيم قد تعرف على المؤسسين الاوائل لخلايا جبهة التحرير الارترية قبل اندلاع الكفاح المسلح عندما باشر الحياة العملية في ذلك العمر في مدينة خشم القربة عند بدء بناء الخزان وانشاء القرى ومدينة حلفا الجديدة للمشروع المقترح لترحيل اهالي حلفا القديمة في شمال السودان، وكانت الشركة المنفذة لمشروع الخزان ايطالية (شركة تورنو) وقد استوعبت اعدادا كبيرة من الشباب الطموح في مختلف مجالات العمل . بدأ الشيخ محمد ادريس ناصح في وظيفة مسؤل مخازن (مخزنجي) لاحدى الوكالات التي كانت تستورد مواد البناء للقرى والمدينة الحديثة وتم نقله الى حلفاج التي بدا بها العمل واكتمل البناء في العام ١٩٦٤م . من هنا كان الارتباط بتلك المدينة التي بادلته حبا بحب ونمت علاقته بالعمالة الارترية الوافدة والتي استوعبها مشروع بناء الخزان ومن ثم المشروع الزراعي. بعد انتهاء المشروع وانهاء خدمته في وكالة مواد البناء استقل بعمله الخاص ففتح مقهى (دبايوا) معلما بارزا في وسط سوق حلفاج مقابل عمارة عبده مترجم .دور المناضل محمد ادريس في النضال الوطني الارتري بدأ مع تأسيس اول خليه لجبهة التحرير الارترية في العام ١٩٦٠م والتي تأسست في مدينة كسلا وقد ضمت مجموعة خشم القربة بجانبه العم محمد سليمان اكد امد الله في ايامه ومحمد عبدالله راكى وحامد حسنين ومحمد شفاء عمر واخرين لا تحضرني اسماءهم الان وقد توسعت فيما بعد لتشمل صالح محمد عثمان ويسن علي جامع وعلي عبدالله وصالح باسوار وحامد محمد موسى والعم حامد ابو شنب في مصنع السكر ومن يومها ارتبط بالثورة والثوار فكان لصيقا بقيادات الصف الاول والرعيل الاول من العسكرين ويقول في حديث معي في العام ٢٠٠٥م انضم لخلية الجبهة بعد تفكير عميق ونقاش مع زملاء له كانوا اعضاء في حركة تحر ير ارتريا.ارتبط بخط جبهة التحرير الارترية منذ اليوم الاول وعايش كل التفاعلات داخل التنظيم فكان من المشجعين والداعمين للجنة المركزية الاولي وحركة الاصلاح وكانت اجتماعات الجبهة تعقد في داره وحتى قبل ذلك واثناء مطاردات نظام عبود للثوار كان منزله الحصن الامن لنشاط الجبهة في حلفاج. تراس لجان الجبهة لعدة مرات وعند قيام النقابات وتاسيس الاتحاد العام لعمال ارتريا كان احد كوادره المهمة ورئيس فرعه هناك . وعند نشوب الخلافات بعد الوحدة الثلاثية كانت مواقفه واضحة ولكنه متوازنة وكانت له صولات وجوالات ويذكر انه لعب دورا مهما في حقن دماء المناضلين عندما زار اسياس افورقي ومحمد علي عمرو لمدينة حلفاج وكاد ان ينشب خلافا ربما ادي الى اقتتال بين القواعد ولكنه اقنع اسياس وعمرو بعدم الاصرار علي التنازع ومر الامر بسلام على الرغم من انه كان على النغيض من موقفهما.تعرض الى مضايقات شديدة من خصومه السياسين في طرف قوات التحرير الشعبية انذاك ويقول جرت محاولتين للنيل منه بارسال احد من يمت اليه بصله قرابة الى منزله لتصفيته ولكنه فطن لها في وقتها وتدخل بعض العقلاء وحسم الامر اسريا وللمرة الثانية . في سبعينيات القرن الماضي كان نشاط العمل الثوري في اوجه وانتصارات الثورة الارترية وتحرير كل الريف ومعظم المدن ومحمد ادريس كان رئيسا لفرع العمال، زار المدينة وفد من السكرتارية العامة للاتحاد العام لعمال ارتريا مدينة حلفاج برآسة الشهيد ادريس حشكب سكرتير الثقافة والاعلام في ذلك الوقت واقيمت ندوة سياسية في حى الجمهورية (كامبو اشغال) ، تجمع بعض الشباب المنتمين لتنظيم قوات التحرير الشعبية وفي نيتهم افشال الندوة ، كانت الاضاءة ب(الرتاين) في ذلك الوقت والمكان حوش مبني بالمواد الاولية (قش) فقرر هؤلاء احداث فوضي حتى لا تتم الندوة بضرب رتاين الاضاءة وقد نمى لعلم الراحل المقيم محمد ادريس الامر قبل موعد الاجتماع ولهذا شكل مجموعات تتصدى لهم في حال الاقتراب من الرتاين ، وعندما علموا ان خطتهم كشفت تراجعوا عن الامر لان محمد ادريس وقبل بداية الندوة نبه الجميع في كلمة الافتتاح وقال هناك من حضر هنا لاحداث شغب ونحن له بالمرصاد عليهم ان يعلموا ذلك، واثناء الندوة قام احد كوادر نفس التنظيم لينال من الضيف (حشكب) وفيما قال انك ابن فلان ومن قبيلة فلان وانا من قبيلتك ولكنك شيوعي وفاوقفه محمد ادريس وقال هذا مناضل شريف نعرفه باسم ادريس حشكب ونحن جبهة التحرير وعلاقة المناضلين هنا نضالية ضمن المشروع الوطني والبرنامج السياسي ولسنا تنظيم قبلي هذا تنظيم وطني يجمع الجميع بافكارهم وقبائلهم ، رد عليه ذلك وكان في تلك الايام اعتقالات لبعض كوادر الجبهة بحجة ما اطلقوا عليهم اليمين ومن ببنهم اقاربه مثل محمد عثمان ازاز وحامد حسين ومحمد حامد عشكراى ولكنه لم يتأثر بذلك وظل في موقفه حتى اتفاقية جدة على ما اذكر ولا ادري هل واصل بعد ذلك ام لا لانني انتقلت الى موقع اخر.رحم الله العم المناضل الشيخ الوقور محمد ادريس ناصح وغفر له وجعل كل ما قدم في ميزان حسناته.وانا لله وانا اليه راجعون.
أبو غسان – لندن – ١٩/٠٤/٢٠٢٣