بقلم الدكتور/ ياسين مدني عبد القادر
مستشار ومحلل إعلامي.
في الواقع عادة عندما يفقد دكتاتور مستبد سلطته فإن ما يحدث هو أحد هذه السيناريوهات :
السيناريو الأول: أن يتم استبدال هذا الدكتاتور بأحد معاونيه من الدائرة الداخلية ، وبهذا يستمر النظام ذاته مع تغيير الوجوه ، وهو ما حاول أن يفعله نظام الإنقاذ عندما تيقن من سقوطه، ولكن استمر ضغط الشارع السوداني برفضه هذا السيناريو وتم تسليم السلطة لمجلس انتقالي لفترة محددة.
السيناريو الثاني: أن يتم استبدال الدكتاتور الحالي بحكومة مدنية منتخبة ديمقراطياً تمثل كل موزاييك الشعب سياسياً واجتماعياً وثقافياً وعرقياً ولغوياً ،وهذا ما يصبو إليه الشعب السوداني ليحقق تطلعاته.
السيناريو الثالث: أن تفقد الدكتاتورية الحالية السلطة لصالح مجموعة أخرى أكثر استبداداً ، وهذا لم يتم حدوثه في سيناريو السودان لسبب خشية قرار الاتحاد الأفريقي القاضي بعدم الاعتراف بالأنظمة التي تأتى عبر الانقلابات العسكرية.
والأنظمة الدكتاتورية تظهر أنها مستقرة فقط عندما تكون شديدة القمع و قادرة على توفير عيشة الرفاه لفئة كبيرة من الحلقة الضيقة حول النظام، ولكن أساس الحكم الدكتاتوري غير مستقر ولهذا يتمسك بالقوة، وهذا يؤدى في النهاية إلى انهياره لفقدانه الشرعية الاجتماعية.
هناك عدة دروس وعبر يمكن الاستفادة منها في سقوط الاستبداد والمستبدين وأنظمة حكمهم ويمكن ان يتم تلخيص بعض هذه الدروس والعبر، وقبل سرد بعضٍ منها أود التذكير بأن نظام الإنقاذ في السودان أتى 1989م بعد انقلاب على حكومة منتخبة ديمقراطياً، وبالرغم من أن حكومة السيد الصادق المهدي كانت منتخبة ديمقراطياً, إلا إنها كانت حكومة مكونة من أحزاب دينية ليس لها منظور لبناء دولة مستقرة ونظام ديمقراطي مؤسساتي مستقر ، ولهذا تم وبسهولة الانقلاب عليها لعدم وجود مؤسسات حقيقية دستورية وقانونية ورقابية.
الدرس الأول هو ما علمنا إياه القرآن الكريم وكتب التاريخ التي تحكي لنا مصير الطغاة ابتداءً من فرعون ثم النمرود وغيرهم إلى يومنا هذا، والعاقل من يعتبر من هذه الدروس ويعرف عواقبها.
الدرس الثاني هو أن إرادة الشعوب أبداً لا تقهر، قد يطول زمن الاستبداد والمستبدين لكثير من الأسباب التي تم ذكرها في القرآن والتاريخ ، وقد لا يتسع المجال هنا لذكرها ولكن حتماً ان إرادة الشعوب في الإنعتاق من الظلم والاستبداد سوف تتحقق وإن طال الزمن وهذه من سنن الله سبحانه وتعالى في الكون.
الدرس الثالث أن الأنظمة الاستبدادية تعيش على استقطاب الفئة المستنيرة من الشعب، وذلك من خلال الإغراء بالمادة والسلطة والجاه، وإن لم تستطع ذلك تقوم بإلهائها في معركة البقاء ، وهذا ما نجحت فيه الإنقاذ في السودان ببراعة حيث استقطبت معظم هذه الفئة ، ما جعل الدكتاتور يظن أن اكتساب الشرعية من خلال التفاف هذه الفئة من حوله ، وهو شعور كاذب وأثبتت الأحداث انه كان نوعاً من أحلام اليقظة والانعزال من الشعب وطموحه.
الدرس الرابع هو أن الأنظمة الدكتاتورية تحيط نفسها بأحزاب الأقليات التي تلعب دور الكومبارس وتزيين واجهة النظام لإضفاء الشرعية عليه ، لأن هذه الأنظمة تتيح مساحة للنفعيين والوصوليين والانتهازيين وفاقدي الضمير، وبذلك تتشكل شبكة واسعة من الرأسمالية الطفيلية تسيطر على السوق وتكون سند للنظام.
الدرس الخامس تسييس سلك الخدمة المدنية الذي من المفترض أن يكون مهنياً لا علاقة له بالتنظيمات السياسية وهو جهاز مهني يقوم بأداء الخدمات المهنية للمواطنين بدون تمييز وفق الأنظمة واللوائح المنظمة، لذلك يتم التعيين والترقية فيه وفق نظام الجدارة وليس عن طريق المحاباة (Nepotism) والفساد (Corruption).
الدرس السادس هو تلاحم الشارع السوداني مع المعارضة ووعي الجيش السوداني ومهنيته ووطنيته بالرغم من أن نظام الإنقاذ حول المؤسسة العسكرية السودانية العريقة إلى جيش حزبي ومليشيات وكتائب ظل لا علاقة لها بمهمة الجيش الأساسية وهي الدفاع عن الوطن وحماية المواطنين.
أما العبر التي يمكن أن يستفاد منها فهي كثيرة ومنها ، أولا أن الأنظمة الدكتاتورية تزول عندما تُهلك الحرث والنسل لأنها مبنية على فلسفة أنا والباقي في جهنم ، لان هذه الأنظمة مبنية على القهر والتسلط والاستبداد والتعالي لذا طمس الله بصرها وبصيرتها.
العبرة الثانية الغياب الكامل لدور دولة المؤسسات وسيادة القانون هو مناخ ملائم وتربة خصبة لنمو الأنظمة التسلطية بسبب غياب هذه المؤسسات الرقابية والقانونية وبالتالي ينمو الفساد الإداري والمالي والأخلاقي والضميري ( The Law is designed to have a deterrent effect, not only for the offenders, but also for misuse of power
القانون تم وضعه لكي يكون قوة رادعة ليس فقط للمخالفين وإنما أيضاً ، لسوء استغلال المنصب ).
العبرة الثالثة هي هجرة العقول المتعلمة ورؤوس الأموال والمهنيين في الدول التي تحكمها الدكتاتوريات وهذا ما حصل في السودان ، عموماً دول قارة أفريقيا والسودان ليس مستثنىً منها فقدت الكثير من الكوادر المهنية من خيرة أبنائها ، وصار التعيين في مؤسسات الدولة بمعيار الولاء وليس الكفاءة ، وهذا ما يجعل هذه الأنظمة تطول فترة حكمها لعدم وجود مقاومة مستنيرة.
العبرة الرابعة أن النظام الانعزالي والدكتاتوري في اريتريا يختلف عن نظام الإنقاذ في عدة أوجه لأسباب لا يتسع المجال هنا لتفصيلها ولكن قطعاً أن سقوط وانهيار نظام الإنقاذ في السودان سوف تكون له آثار على اريتريا ودول الجوار.
عليه المعارضة الاريترية بكل أطيافها وأحزابها ومنظماتها مطالبة بأن تعي دورها التاريخي المناط بها في إزالة النظام القائم في اريتريا بكل الوسائل المتاحة ، وإحلال البديل الديمقراطي.
لكن وبحسب تحليلي ومتابعتي، يبدو لي أن المعارضة الاريترية بكل أطيافها لم تصل لطور النضوج الواعي لدورها ، ولهذا لم تشكل إلى الآن ضغط حقيقي على النظام القائم في اريتريا ، بالإضافة إلى تشتتها وتأثير الخلافات الايدولوجية و الأثنية والعرقية والمناطقية على أفرادها. المطلوب من المعارضة الاريترية في مؤتمرها الذي يفتتح في السويد اليوم 17/4/2019م ان تقوم بتبني مشروع وطني للخلاص من النظام.
والله ولي التوفيق.