تابع العالم الحرب الاهلية التي اشتعلت في الرابع من شهر نوفمبر الجاري بين الحكومة الفدرالية في المركز وحكومة اقليم تقراي المجاور لدولة ارتريا ـ، وهى حرب بدأ الاعداد لها منذ وصول الدكتور أبي أحمد علي لسدة الحكم خلفا للسيد هيلى ماريام ديسالين الذي استقال من الحكم اثر الاحتجاجات العارمة التي شهدتها البلاد وخاصة اقليم ارومينيا ذات الكثافة السكانية العالية.
ورث الدكتور أبي أحمد نظاما سياسيا اختل فيه التوازن بعد ملس زيناوي وبروز التناقضات الاثنية و يعاني من الفساد المستشري واحتجاجات كادت ان تعصف باستقرار البلاد ، بالاضافة الى ان النظام القائم استند في فلسفته لادارة الدولة على الفدرالية الاثنية الامر الذي خلق وعيا اجتماعيا مختلفا عما كان قبل العام 1991م حين سقط نظام العقيد منقستو هيلى ماريام وقام على انقاضه نظام الجبهة الديمقراطية الثورية لشعوب اثيوبيا (الأهودق) بزعامة الراحل ملس زيناوي رئيس الجبهة الشعبية لتحرير تقراي اقوى مكونات ذلك الائتلاف، والذي حكم اثيوبيا 27 عاما ، وحتى الدكتور أبي احمد نفسه جاء باعتباره رئيسا له. فلسفة نظام الحكم الفدرالي اتاحت لبقية مكونات الشعب الاثيوبي مشاركة في الحياة العامة والحكم بعيدا عن هيمنة قومية الامهرا التي حكمت اثيوبيا لمايفوق ال100 عام تقريبا الامر الذي ولد وعيا جديدا وخلق فرص في مجال التعليم والصحة والبنية التحتية مقارنة بما كانت علية اثيوبيا قبل العام 1991م.
الجبهة الشعبية لتحرير تقراى التي قادت الائتلاف ارتبطت بعلاقات استراتيجية مع تنظيم الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا والذي تزامن دخولهما الى كل من اسمرا واديس ابابا بتحالف وتنسيق منذ حرب التحرير الارترية وحرب التقراى ضد نظام منقستو ، من هنا يمكننا القول ان هذه العلاقة التي اعترتها الكثير من العوامل فيما بعد كانت حجر الزاوية في تأسيس كلا النظامين المتجاورين واللذان تحولا الى عدوين لدودين فيما بعد، وكلنا تابع مالات تلك العلاقة بتفجر حرب ضروس في العام 1998م تحت غطاء اراضي متنازع عليها وعلى رأسها (بادمي)، تلك الحرب التي راح ضحيتها الالاف من الشباب من الجانبين ، توقفت بعد جولات ماكوكية للوسطاء وبعد توغل الجيش الاثيوبي في الاراضي الارترية فكانت اتفاقية الجزائر في العام 2000م وعلى اثرها ذهب الطرفان الى المحكمة الدولية والتي قضت بتبعية بلدة بادمي لارتريا ووضعت الخارطة التي قضت بموجبها على الورق ليتم ترسيم الحدود تنفيذا للقرار ، ولكن لم يحدث ذلك الى الان على الرغم من قبول الحكومة الاثيوبية القرار من حيث المبدأ داعية الطرف الارتري الممثل في حكومة اسياس للجلوس فى طاولة الحوار اولا قبل البدء في التنفيذ الامر الذي لم توافق عليه اسمرا. فورمجئي ابي احمد اعلن قبوله بقرار المحكمة وابدى استعداده للتنفيذ وهو ما فتح الباب مواربا لقبول رأس النظام في اسمرا اعلان اديس ابابا فكانت الزيارات المتبادلة بين الطرفين الى ان تم التوقيع في السعوية بينهما، كما تابعنا مهرجانات الفرح والزيارات المتبادلة بين الدولتين وكذا الاتفاقيات التي أبرمت بينهما ولكن دون الإفصاح عن فحواها من الجانبين.
مايجب التنبه اليه هنا ان التطورات التي حدثت في اثيوبيا قبل استقالة هيلى ماريام ديسالين كانت بموافقة الائتلاف الحاكم بما فيهم الجبهة الشعبية لتحرير تقراى وان قرار اعلان قبول تنفيذ قرار المحكمة الدولية الخاص بالحدود مع ارتريا كان قرارا جماعيا، ولكن سرعان مادب الخلاف في الائتلاف الحاكم وذلك لان الزعيم الجديد له رؤية مختلفة لفلسفة الحكم في الدولة وقد لاحظنا ذلك في اول خلاف بينه وحكومة الاقليم الصومالي وتدخله لتغييرها واقتياد قادتها الى المعتقلات الذين مازالوا حبيسي السجون ، وكذا تفجر الاوضاع في اقليم ارومنيا من جديد واعلان الزعيم الجديد دمج احزاب الائتلاف الحاكم في حزب واحد باسم حزب الازدهار في تطور جديد للعودة الى النظام المركزي بدلا من النظام الذي كان قائما وهو الامر الذي رفضته الجبهة الشعبية لتحرير تقراى وعلى اثره رفضت حل حزبها والانضمام الى الحزب الجديد (الازدهار)، ومن يومها بدأ الخلاف في التبلور وسعى كل طرف لكسب مؤيدين له.
فاذا عدنا الى الجانب الارتري الممثل في رأس النظام اعلن بانه سوف يعمل مع رئيس الوزراء الاثيوبي وان موضوع الحدود لم يعد مهما في هذه المرحلة وصرح بان الشعب الاثيوبي والارتري شعب واحد وواهم من يقول انهما شعبان وغيرها من التصريحات التي لا تصدر من رئيس دولة ذات سيادة ،وعن الصراع الاثيوبي الاثيوبي صرح اسياس بانه لن يتفرج في الامر في اعلان صريح بتدخله كطرف، في تقديرنا مبعث ذلك يعود الى حالة العداء بينه وقيادة الجبهة الشعبية لتحرير تقراى ورغبته في الانتقام باقصائها والقضاء عليها نهائيا، وفي الجانب الاخر وجد الدكتور أبي احمد ضالته في اسياس بعد ان فقد ثقة زعماء الأرمو الاقوياء امثال جوهر محمد ولما مقرس وداويت إبثو وغيرهم وهذا الفقد اسقطه من نظر القاعدة العريضة للأرمو. ونسج تحالفه الذي نشاهد نتائجه الان.وما يسترعي الانتباه هنا الخطوات المتسارعة التي اقدم عليها أبي احمد كاعلانه تكوين قوات بحرية لبلد ليس له منفذ بحري والتحدث باسم ارتريا في العديد من القضايا كالذي حدث في فرنسا والحديث المتكرر من المسؤلين الاثيوبين عن المنفذ البحري وميناء عصب على وجه الخصوص والتلميح على انه ميناء اثيوبي مع عدم اعلان الطرفان الاثيوبي والارتري عن فحوى الاتفاقات التي وقعت بينهما ، كل ذلك امر يدعو الى التساؤل عن طبيعة العلاقة المراد اقامتها بين الجانبين.
وفي الجانب الاخر فان الجبهة الشعبية لتحرير تقراى وعلى الرغم من قبولها بترسيم الحدود مع ارتريا وقبولها بتبعية بادمي لارتريا الا انها لم تقدم على خطوات عملية في هذا الاتجاه وكانت العائق في ان يتم تنفيذ الترسيم حتى الان وهو امر اعطى الفرصة لطاغية اسمرا ملوحا بكرت السيادة الوطنية ولهذا حشد الجيوش على الحدود ليصبح احد اطراف الحرب الى جانب الحكومة الفدرالية الاثيوبية ليدخل الشعب الارتري في دوامة حرب جديدة وتزهق ارواح الشباب الارتري تحت زريعة استرداد الاراضي الارترية وهي كلمة حق اريد بها باطل، ان بادمي ارترية امر لاجدال فيه، ولكنه لا يستدعي خوض حرب لان الارض التي حكمت لصالح ارتريا ارض ارترية وقرار المحكمة نهائي وسوف تعود الى حضن الوطن طال الزمن ام قصر. ليس هذا فقط فان حكومة اقليم تقراي ممثلة في الجبهة الشعبية لتحرير تقراى تحتضن على اراضيها العديد من المنظمات الشوفينية والعنصرية مثل اقازيان وبرهومظائي وتقراى تقرينا وهى تبث سمومها عبر الوسائط وذلك امر يحتاج الى تفسير والوقوف عنده ، يتزامن ذلك مع تصريحات بعد رموز الجبهة الشعبية لتحرير تقراى ونظرتهم التوسعية ومغالاطاتهم المكشوفة للتاريخ كمؤسس التنظيم سبحت نقا (ابوي سبحت) وغيرهم، وكذا تعامل الحكومة الاثيوبية مع ملف المعارضة الارترية في فترة قيادتهم للدولة والملاحظات الكثيرة التي يمكن ان تثار حوله ومحاولة فرض مشروعهم السياسي والاداري في ارتريا، اذا اخذنا كل ذلك في الاعتبار فان العلاقة الارترية الاثيوبية يكتنفها الغموض فلا الحكومة المركزية ولا حتى حكومة اقليم تقراى يكن الاطمئنان لما يضمرانه لارتريا وشعبها.
يحسب للجبهة الشعبية لتحرير تقراى موقفها من القضية الارترية ووقوفها الى جانب حق تقرير المصير للشعب الارتري على خلاف بعض القوى السياسية الاثيوبية التي مازلت تعتبر ارتريا جزء من اثيوبيا .خاصة نخب الامهرا الشوفينية .
مما تقدم وعلى ضوء مايجري الان على ساحة المعركة خاصة بعد توسع رقعتها لتشمل العمق الارتري والاثيوبي فاننا امام منعطف جديد ويمكننا القول امام مرحلة تاريخية بدأت بالتشكل، فالحرب سوف تتحول الى حرب اقليمية كما اراد لها صانعوها الحقيقيون وسوف لن تقف الى هذا الحد وقد يطول امدها الامر الذي يصعب فيه التكهن بمالاتها . واذاء هذا الواقع فإننا نرى الحل في اقتلاع اسياس وعصابته وتغيير بنية المؤسسات التي أقامها لتصبح وعاءا لكل الارتريين يتساوون في كل الحقوق السياسية والثقافية والاجتماعية، فهم سواسية أمام القانون لا فرق بينهم في اللون او اللغة او الدين، وبذلك يمكننا خلق استقرار وعلاقات متوازنة مع جيراننا على اساس الندية واحترام السيادة الوطنية لكل دولة ، ووضع حد للاطماع والتجاوزات . هذه مهمة وطنية عاجلة ومسؤلية مشتركة لكل الشعب الارتري وقواه الحية في الداخل والخارج. وعلى قوات الدفاع الارترية القيام بواجبها الوطني في الدفاع عن السيادة وعدم الانصياع لرغبات الطاغية بل اخذ زمام المبادرة بوضع حدا لما يقوم به اسياس والقوف الى جانب الشعب.
إدريس همد
لندن
15 فبراير 2020م