إلى شعبنا وقواه السياسية حتى لا نكرر أخطاءنا (1 ـ 2 )

لا شك في أن الشعب الارتري مقبل على مرحلة جديدة “مرحلة ما بعد الطاغية أسياس” وهي سوف لن تطول فمؤشرات قدومها قوية جدا ، و سيأتي من يخلف الطاغية سواء كان من داخل نظامه أو من خارجه وهذا ليس موضوعنا الآن ، فموضوع تعليقنا كيفية تدارك أخطاء الماضي في التعامل مع الجديد القادم أيّاً كان ؟
تلك الأخطاء التي إذا تواصلت هذه المرة أيضا وأصر البعض على أرتكابها مرة أخرى بالتأكيد سندفع ثمنها جميعا ، وهناك نوعين من الأخطاء نوع أول هو ما يرتكبه الجميع مواطنون وسياسيون وهو موضوع تعليقنا هذا والثاني أخطاء مقتصرة على القوى السياسية وهذا ما سنفرد له حيز آخر.
قد إبتليت المجتمعات بكم غير قليل من أبنائها الذين يتفننوا في القيام بأدوار سياسية واجتماعية من نوع خاص ، ولتوضيح ذلك سننقل ما قاله البروفيسور مصطفى التير حيث عدد من هذه الأدوار ستة سماها (التلتال ، اللقاق ، البروال ، الهرواك ، الزمزاك، والهتيف)، ويقول عنها ، هذه أدوار اجتماعية مختلفة يمكن أن يقوم بها أي فرد يحتل أي مكانة اجتماعية، لكنها تشترك في خصائص رئيسية أهمها أن متبني الدور يمكن أن يقوم بأي فعل غريب ومستهجن ولكن لا يجرمه القانون، ودون الدخول في التفاصيل ، تتمثل مناشط الدور الذي يقوم به من يتبناه بالمبالغة في النفاق والتزلف والكذب المعبر عنه في المناسبات العامة التي يجتمع فيها جمهور وهي مبالغة في النفاق والكذب والتزلف الموجه نحو الحاكم ، وترتفع وتيرة شدة الدور بوجود الحاكم في التجمع ، حيث يتفنن مؤدوا الدور في إسباغ الصفات العابرة ليس للأقطار أو القارات ولكن للأزمنة أيضا ، فالحاكم قائد لم تلده إمرأة، ولم تعرفه بلد من قبل، ولم يظهر في زمن سابق، وإذا اشتدت الوتيرة فالقول بأن الزمان لن يجود بمثله يصبح شعارا غير مستبعد ، وهو كذلك يتصف بكل صفة محببة قد تخطر على بال إنسان مثل الملهم والمبدع والشامخ والمعلم والمنظر والحكيم والمهندس والبطل.
ويتميز الشعب الأرتري بعاطفيته الزائدة إذا أحب حاكمه ذهب به للعلالي ومجده وأفرط في تمجيده وإذا كرهه لم يقاومه وترك أمر مقاومته لغيره من أبناء شعبه ومن سماته أيضا أن يعتدي على بعضه، وأن يقهر بعضه، وأن يتسيد علي بعضه، وهكذا تجد أن المقهور أو الذي كان مقهوراً يقوم بقهر الآخرين بمجرد أن تتاح له الفرصة ، وقد أنقسم الشعب الأرتري في فجر التحرير إلى ثلاثة أقسام، قسم مؤيد وموالي بشدة للحكومة الأرترية المؤقتة ، وقسم آخر مناهض ومعادي بقوة لهذه الحكومة ، وقسم ثالث لزم جانب الحياد في الظاهر إلا أنه كان موالياً مع بعض التحفظات ، وقد توزع الجميع على الأقسام الثلاثة ، وما يهمنا هنا هو ماذا فعل كل قسم من الأقسام الثلاثة :
أولاً: الموالون : اعتبر هؤلاء الحكومة حكومتهم لذا ساندوها وعاضدوها بكل قواهم في كل سياساتها وبرامجها ، حتى أن هذه الفئة لم تثنهم عن ذلك بعض البرامج التي أخذت الدولة في تنفيذها ، ولم تكن بأي حال من الأحوال في صالحهم مثل تهميشهم كأبناء للشعب الارتري وتهميش اللغة العربية ، والتعليم بلغة الأم ، ومصادرة الاراضي وعرقلة تسجيل البيوت ، والتجنيد الإجباري للذكور والأناث … الخ ، والغريب في الأمر أن هذه الفئة لم تكتفِ بالإذعان والتنفيذ لهذه البرامج بل أخذت تستميت في الدفاع عنها ، كما أنها في إطار دفاعها عن هذه البرامج لم تدخراً جهداً لمدح النظام ممثلاً في رئيسه بغير وعي .
ثانياً : المناهضون : أخذ مناهضوا النظام في معاداته بكل قوتهم ، فإعتبروه شر يجب إزالته بأي ثمن ، وهذه الفئة تختلف عن سابقتها في أنها كانت الأكثر تنظيماً ، وقد أخذت أطر رسمية متمثلة في بعض تنظيمات مرحلة التحرير أجتهدت كثيرا في فضح ما يمثله النظام وعلى رأس هذه القوى كانت جبهة التحرير الارترية التي قدمت تضحيات كبيرة وعدد كبير من الشهداء في مقاومة جبروت النظام .
ثالثاً : المحايدون : هذه الفئة كانت في ظاهرها محايدة ، إلا أنها في الحقيقة كانت موالية ، وكانت تبرر عملية تعاملها مع النظام بعدم وجود البديل الذي يمكن أن يحل محله ، وقد كانت هذه الفئة الأكثر دعماً للنظام إقتصادياً .
يقول علماء النفس إن الفرد يٌكون صورته عن نفسه على ضوء تصوره للصورة التي يرسمها الآخرون له ، وعليه فقد يبدأ الحاكم بشخصية بسيطة متواضعة وقريبة لأبناء الشعب، لكن ما أن تبدأ جوقة المنافقين في العزف حتى يتغير الوضع و يتقمص الحاكم الشخصية التي تعدها جوقة المنافقين، ويصبح سلوكه معبرا عن هذا التصور الجديد، وينتهي بصورة الدكتاتور الكامل ، فالشخص الذي ينشرح صدره لسماع كل إطراء مهما ارتفعت درجة المبالغة فيه، ولا يقبل أي شكل من أشكال الرأي المخالف مهما تدنت وتواضعت درجة الاختلاف معه ، وقتها لا يبقى أمام المواطنين إلا الدعاء بأن يكون دكتاتورهم من نوع المستبد العادل. وتذخر الأدبيات بوصف هذه الشخصية (المستبد العادل). وفي مجتمع يقوده حاكم هذه صفاته لا تنمو فيه الحياة وتتطور، و تختفي فيه الحريات.
ختاما خرق المركب لا ينجي من خرقه بل يغرق معه الآخرون فلنكن هذه المرة حريصين أن لا نصنع دكتاتور آخر يتسلط علينا ويطيل فترة أنتظارنا للحرية والعدل والمساواة .

شاركها

Share on facebook
Share on twitter
Share on pinterest
التصنيفات
منشورات ذات صلة