معاناة آن لها أن تنتهي

بقلم الأستاذ/ إدريس هُمّدْ

نحنُ على أعْتاب العِقْد الثّالث من إستقلال إرتريا ، التي ناضل شعبُها لأكثر من ثلاثين عاماً نضالاً مريراً وقدّم تضحيات قلَّما وُجِد نظيرها ومثيلها ، توج بنهايتها إنتصاره على المستعمر الإثيوبي ، لِتكون حرية التراب الإرتري ثمرة ذاك الجهد المضني الذي روى الأرض الإرترية دماً قانياً، مخلِّفاً الآلآف من الشهداءِ والجرحى والمشرّدين، وما يفوقهم عدداً من اللاجئين في مخيماتٍ بائسة في دول الجوار خاصة في السودان واليمن مازال جلهم يقبع فيها حتى الآن
إن إفرازات مرحلة حرب التحرير الوطنية مازالت آثارها ماثلة للعيان على الرغم من مُضِي ثلاثة عقود من تحرير التراب الإرتري ومن المحزن حقاً أنَّ شعباً قدَّم كل تلك التضحيات مازال يتجرع مرارة الغدرِ والخيانة والحرمان من وطنه ، والتنكُّر من قبل الطغمة الحاكمه في إرتريا الدولة.
أعداد كبيرة من الذين أسّسُوا النَّضال الإرتري مازالوا يعيشون في المنافي بعيداً عن الوطن الذي قدَّمُوا من أجله الغالي والنفيس ، وقوافل أُخرى كذلك دفنت خارجه أى ( االوطن الارتري) بعد أن تنكرت لهم الفئة الحاكمه والتي لا ترى الأمور إلا بمنظار الحقد الدّفين ، وهى التى حولت الخصُومة السياسية الى عداء بفهم أن :” الذي لم يكن في فصيلها ابان حرب التحرير فهو ضدها بالضرورة “.بل تنكرت حتى لشركاء التجربة إذ يقبع جل قيادات الشعبية في غياهب سجونه المظلمة وفر أخرون ليواجهو مصير التشرد إسوة باصحاب تجارب النضال الاخرى.
لذلك كان السؤال إلى أين تتجه الأمور بعد كل هذه السنين العجاف ؟
هل ما زالت تراوِح مكانها أم أن هُناك بارقة أمل في نهاية النفق ؛ يبشر الارتريين بفجرٍ جديد؟ من المؤكد أن لكل بداية نهاية فمهما طال ليل الظلم ، وإرتفعت رايات الباطل. فالشعب الارتري شعب جبَّار لا تنكسر عزيمته ، بدليل تحقيقه الشق الأول من أهدافه والمتمثِّل في تحرير التراب الوطني من أعتى الأنظمة الإستعمارية في المنطقة والمدعومة من القوى العُظمى.وعلى الرغم من حالة المد والجزر التي مرت بها الثورة الارترية نفسها. إنّنا نتساءل لماذا طال أمد تحقيق الشق الثاني من أهداف الشعب الارتري والمتمثل في تحرير الإنسان !!!!؟
في تقديرنا هناك عوامل كثيرة تضافرت في تأخره ، كما نعتقد أن أهم تلك العوامل تتمثل في ضعف أدوات التَّغيير . وحتى لا نُطْلق التُّهم جُزافاً فإنّنا نُشير إلى المتغيرات الكبيرة التي حدثت في المسرح السياسي الإقليمي والدولي والتي أثرت سلبا على فعل التغيير، وأولها: تركة ما يعرف عندنا بفصائل العمل الوطني الموروثة من فترة حرب التحرير وعدم قدرتها أي تلك الفصائل على تجاوز مرارات الماضي .
ثانيا: تغيُّر الظروف الإقليمية والدولية كما ذكرنا ،و الذي قلَّل إن لم نقل أفقد قوى التغيير النَّصِير ، وكما هو معلوم لدينا جميعاً من شروط النصر الأساسية إلى جانب العامل الذاتي وهو الأهم طبعاً ، ضرورة وجود من يساند عدالة القضية حيثُ أن الدَّعم الذي وجدته الثورة الإرترية من الأشقاء والأصدقاء مكنها من تحقيق النصر ، هذا طبعاً مع تفاعل العامل الذاتي ، وهو الشَّعَب صاحِب القضيّة والذي استرخَص كل شيء من أجل بُلوغ النصر.
اليوم ومع وجود القُطْب الواحد في السياسة الدولية وفُقدان التَّوازن يَصْعُب علينا إحداث إختراق لصالح التغيير الذي ننشده بنفس أدوات الأمس ، إلا اذا أحدثنا تغييراً جوهريا في وسائل عملنا النّضالى ، أى ما زلْنا نحْتاج إلى قراءة جديدة وجدية لما يدور من حولنا وهو ما نطلق عليه بخطاب المرحلة وتحقيق أدواتها الجديدة في ظل ثورة المعلومات وتحول العالم إلى قرية صغيرة. ويمكننا أن نُشِير إلى الدور الفاعل لمنظمات المجتمع المدني والتي بدأ يتعاظم دورها في الآونة الأخيرة . وعلى المنظمات المدنية أن تلعب الدور المنوط بها ولا تتهافت إلى كراسي السلطة والشواهد كثيرة عندنا ….
كما أن العامل الذاتي وهو الأهم كما ذكرنا يعاني من التوهان رغم المحاولات الجادة هنا وهناك لتفعيل دوره ، وبعيداً عن اصدار الأحكام فإننا نشاهد الإحجام الذي نراه من قطاعات كبيرة من الإرتريين وخاصة الشباب عن التفاعل مع قوى المعارضة التي تحمل لواء التغيير. فالذين يتفاعلون ويشاركون في العمل اليومي لقوى المعارضة قليلون جداً مقارنة بالمعارضة الصامتة التي تتفرج خارج دائرة الفعل ، ونحنُ هنا لا نقارِن بين المعارضة التي تعمل في ظروف ومناخات مختلفة عن ما كانت تعمل فيه الثورة الارترية إبان النضال التحرري الذي خاضه الارتريون ، ولكن بالمقابل فإن ما يتعرض له المواطن اليوم من معانات فاق معاناته في تلك الفترة.
وليكن السؤال لماذا هذا الاحجام يا ترى؟
يمكن ذكر بعض المعيقات التي نواجه تحدي تجاوزها وهي:.
1 – ضعف الخطاب السياسي لقوى التغيير والتي مازالت تُخاطب الشارع ببرامج سياسية مختلفة في أحسن الأحوال إن لم نقل متعارضة تماماً .الأمر الذي جعلها في خانة الشّك والتوجُّس عند البعض على الأقل، وقد لاحت بعض البُشْريات بِعبور قوى التغيير إلى مرحلة التوافق والعمل المشترك في الآون الآخيرة
2 – بروز تيارات سياسية شططت بعيداً عن مفهوم التغيير تحت حجة المظالم وسياسات عِصابة أسمرا لتُصبح كل تلك التيارات مخالب قِط لأطماع جهات خارجية
3 – غياب رسالة التغيير الواضحة عن الداخل ، وهنا ربما نرجع ذلك إلى عامل الدعاية المستمرة من قبل النظام وتخويف الداخل من سيناريوهات التغيير ، وكذلك ضعف الخطاب السياسي المعارض الذي من شأنه تطْمين الداخل بأن التغيير وإنْ إختلفتْ وسائله لن يكن أسوأ من النظام القائم.
4 – هناك تناقض رئيسي بين قوى التغيير في:
“أ” مفهوم العدالة الإنتقالية بعد زوال النظام القائم.
“ب” نظرة قوى التغيير لما هو قائم على الأرض الآن ، بمعنى الإختلاف الواضح في أمور جوهرية مثل: قانون الأرض الذي أصدره النظام ، وكيفية التعامل مع سياسة الأمر الواقع المترتبة عليه. بالإضافة إلى موضوع الهوية والثقافة فالنظام أعلن منذ مجيئه على أن إرتريا دولة تتكون من 9 قوميات وأنَّ اللغات الإرترية متساوية ولكنه إعتمد لغة واحدة الأمر الذي أوجد خللا كبيراً في تركيبة الخدمة المدنية والعسكرية ، وبالتالي عند إحداث التغيير فإننا سنواجه بحالة من التذمر والرفض لما قد تُحْدِثه العدالة الإنتقالية وإعادة الأمور إلى نِصابها ، كما أننا سوف نواجه بجيوش من الأُميِّين الذين تعمَّد النظام تجْهيلَهم تحت مُسمَّى التدريس بلغة الأم ، فهم لم يكونوا في مصاف المتعلمين حتى يصبحوا جزءاً من الخدمة المدنية في الدولة الحديثة لفقدانهم أساسيات التعليم الممنهج وبالتالي صعوبة إدماجهم من خلال دورات تدريبية وتأهيلية ليواكبوا التغيير على أساس ثنائية اللغة ، إلا إذا تم إستيعابهم على أساس أنهم يمتلكون ناصية اللغة المهيمنة وثقافتها وهو الأمر الذي يُرجِعنا إلى مربع عدم التكافؤ .
“ج” ضعف روح تقبُّل الآخر بين قوى التغيير . ونحن هنا نُشيد بكل المحاولات الجادة التي تسعى لتجسير المسافات مثل قيام المظلات السياسية الجامعة ، لكننا نحتاج الى تعميق مفهوم تقبل الآخر والذي هو أساس الممارسة الديمقراطية التي نريدها ان تكون معيارا لتداول السلطة عند احداث التغيير.
“د” ولوج جيل جديد على المسرح السياسي مختلف في إستيعابه للأمور وله أدوات فعل قد تكون مختلفة مازالت الهوة بينه والقوى المعارضة كبيرة ، نحتاج الى ردم تلك المسافة من خلال مخاطبة جيل الشباب عبر خطاب يتماشى وتطلعاته ونظرته للأمور حتى نتمكن من إقحامه في عملية التغيير ونحن هنا نتحدث عن فاعلية دور الشباب . مع تقديرنا للجهود التي تبذل من بعض الفعاليات التي نتمنى أن تأخذ زمام المبادرة للانخراط في القوى السياسية وممارسة التصحيح والتقويم للنهوض بالعمل كما من الضرورة أن تتيح القوى السياسية فرص للعقول الشابة لتبدع في قيادة معركتها.

شاركها

Share on facebook
Share on twitter
Share on pinterest
التصنيفات
منشورات ذات صلة